الجمعة، 2 نوفمبر 2012

كلام الناس

كلام الناس
   من أكثر الأشياء انتشاراً فى حياتنا كلام الناس وربما كان ذلك طبيعياً لكون الكلام مجانيا ، والمعروف أن الناس يكثرون من فعل الأشياء المجانية بحاجة أو بغير حاجة .
نجد الناس يتحدثون عن كل شىء فى كل المجالات بثقة شديدة تجعلك تظن كل شخص منهم خبيراً فى كل المجالات التى يتحدث فيها وإذا كان هذا ظنك فهو يقينه الذى اكتسبه من نيل استحسان مستمعيه ، ونظراً لعدم كون أى متحدث خبيراً فى كل المجالات فطبيعى أن يكون معظم كلام هذا الشخص ( الذى يظن نفسه خبيراً فى كل نواحى الحياة ، ويلقب بـ أبو العريف فى مجتمعنا ) خاطئاً ومضللاً ؛ فنجد أبو العريف يتحدث فى السياسة كأنه قائد سياسى أو محلل سياسى بارز له دراسات وخبرات سابقة وباع كبير فى هذا المجال وينتقد أفعال الساسة ونادراً ما يستحسن شيئاً ثم يتحول للرياضة وينتقد أفعال المدربين واللاعبين والحكام ، وينتقل من مجال لآخر مبدياً آراءه وهو على يقين أنها الصحيحة ناسيا قول الله تعالى:" لاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ"(الإسراء36) ، وليس هذا فحسب بل يمتد كلامه إلى تأليف الأخبار الجديدة والتى تكون خاطئة بطبيعتها وأنها مؤلفة والأخبار لا تؤلف لكنها تلقى استحسان مستمعيه لقابليتهم للاستهواء ؛ ولتسليمهم بأى شىء دون تفكير . وإذا سألت " أبو العريف " عن شىء لا يقول لك " لا أعرف أبداً " ؛ لأن هذه الكلمة تذهب هيبته وصيته فيعطيك أية إجابة تخطر على باله دون تفكير .صحيح أن " أبو العريف " مخطئ فيما يفعله لكن الخطأ الأكبر يأتى من مستمعيه الذين يستحسنون كلامه ويسلمون به دون تفكير فيجعلونه يتمادى فيه .
وقد نجح " أبو العريف " بفضل تأليفه الأخبار وقابلية من حوله للاستهواء فى ترسيخ مفاهيم خاطئة فى عقول الناس ظلت تتوارثها الأجيال وكل جيل يضلل الآخر بعده ، ومن أهم أمثلة هذه المفاهيم الخاطئة تسمية الأسد بملك الغابة والأسد لا يعيش فى الغابات وإنما يعيش فى مناطق الحشائش. وحب المستمعين الضالين ذوى القابلية للاستهواء لأبى العريف جعله يتولى تدريب فريق أعداء النجاح الذى يتدرب أعضاؤه على السلبية والعيش بلا هدف والتمرد على كل شىء والنقد الهدام وإليك أمثلة عدة من كلام أعداء النجاح :-
إذا قلت له : هذا خطأ ولا تفعله يقول لك : بلدك كلها تسير فى الطريق الخطأ وهو أنت هتصلح الكون ؟! وينسى أن الله سبحانه وتعالى سيحاسبه على كل خطأ بغض النظر عما يفعله الناس جميعاً ، وينسى أيضاً أن الله قد خلقنا لتعمير الأرض فلم لا نصلحها ؟ ! ، وإذا رآك تخطط لغدك يقول لك : يا عم خليها على الله أو خليها بالبركة أو خليها بظروفها ، وإذا رآك تحدث تطوراً فى أى شئ يقول لك : احمد ربنا على الوضع الحالى ده التمرد وحش وغيرك مش لاقى يأكل ، وكلما رأى طفلاً أو شاباً ميسور الحال يقول له : أنت مرفه ومش هتنفع ؛ لأن الفقر من شروط الجد ، ده إحنا كنا بنذاكر على لمبة الجاز  ونسرد هذا المثال الدال على خطأ كلام " أبو العريف " : قال الباجى لابن حزم : " أنا أعظم منك همة فى طلب العلم ؛ لأنك طلبته وأنت معان عليه فتسهر بمشكاة الذهب وطلبته وأنا أسهر بقنديل السوق " فقال ابن حزم : " هذا الكلام عليك لا لك لأنك إنما طلبت العلم وأنت فى هذه الحال رجاء تبديلها مثل حالى وأنا طلبته فى حال ما تعلمه وما ذكرته فلم أرج به إلا علو القدر العلمى فى الدنيا والآخرة " .
، وإنى لأتذكر جيداً كلام " أبو العريف " وعدوانه للنجاح فى أثناء دراستى بالثانوية العامة ؛ فعندما حققت بفضل الله مجموعاً عالياً فى المرحلة الأولى أخذ يردد : " كنا عايزين منك أكثر من كده بكثير ، ثم بعد فترة ردد :أنت هتتغير وتتكبر ومش هتحافظ على مجموعك " ، وعندما حافظت عليه وحققت أكبر منه فى المرحلة الثانية قال أبو العريف :- " مفيش شغل اليومين دول والبطالة – ملكت البلد وهتخلص دراسة وتقعد فى البيت " ، ثم انتقد الجامعة قائلاً : هتتعب جداً فى الجامعة ومش هتلاقى أكل ولا شرب وهتتبهدل فى الغربة ، تم تحول أبو العريف لانتقاد كل كليات الجامعة بانتقاده كل المهن الموجودة ؛ فمثلاً انتقد الصيدلى بأنه فى نظره مجرد بقال أو بائع ، والطبيب بتعبه وكثرة إجهاده وعدم تمتعه بالحياة ، والطبيب البيطرى بتعامله مع البهائم ( هذا على علم أبى العريف بأن الطبيب البيطرى هو طبيب الحيوانات وهو لا يعلم أن طب الحيوان قسم من أقسام الطب البيطرى الذى يشمل العديد من التخصصات ) ثم انتقد المهن كافة بحجة البطالة وعدم وجود عمل وأتذكر أيضاً انتقاده للضباط بحجة التعب وعدم الاستمتاع بالحياة أيضاً .
الغريب الذى نتعجب منه أن أبا العريف لا يستفيد شيئاً من عدائه النجاح وتثبيطه المتتالي لأفعال الناس والنقد الهدام لكل شىء ، ورغم ذلك يسعد جداً حينما يمارس هوايته اللعينة .
ولا يكفى كل هذا أبا العريف بل إنه يتدخل فى شئونك الخاصة وأبو العريف لا يعجبه شىء فى الدنيا ولا يريحه أو يروى غليله سوى ممارسة هوايته فى عداء النجاح وإحباط الناس والتمرد على كل شىء وتأليف الأخبار الخاطئة .
 أتمنى من كل إنسان ناجح ومتفوق وطموح ألا يتأثر بكلام أبو العريف وإن لم يستطيع إصلاح فكر أبى العريف فعليه ألا يعبأ به وألا يعطيه اهتماما ًولا استحساناً ؛ لأنه لا يستحق ذلك ، وأن يكون فى منتهى الحذر من أعداء النجاح ومن كلام الناس الذى لا نهاية له ولا حاكم له وأن يعرض عن مناقشة الجهال؛فقد قال تعالى:" وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ (الأعراف199) ، وقد صدق القائل:" لا يضر السخاب نباح الكلاب"،وأن يميز بنفسه الصواب من الخطأ وأن يتلقى معلوماته من مصادر موثوقة لا من أفمام البشر فالبشر ينسى ويخطئ ويصيب ،وأن يعمل بقول الله –عز وجل-:" فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (الأنبياء7) ؛فإن لم تجد المعلومة التى تبحث عنها فى كتاب موثوق أو قرار صادر من جهة مختصة واضطررت لسؤال البشر فاحرص على سؤال المختص فقط ؛وأذكر حينما قمت بالتحويل من كلية الطب البيطرى لكلية الحقوق أخبرنى موظفو شئون طلاب كلية الحقوق بأن على إحضار شهادة كذا من كلية الطب البيطرى فأحضرتها وذهبت للتقديم بقسم التقديم بشئو ن الطلاب فتبين أن الشهادة التى أحضرتها ليست هى المطلوبة لأن من أخبرنى بها ليس الموظف المختص فعدت وأحضرت شهادة أخرى وذهبت لقسم الفرقة الأولى بشئون الطلاب فتبين أن الشهادة التى أحضرتها ليست هى المطلوبة لأن من أخبرنى بها ليس الموظف المختص فعدت وأحضرت ثالث شهادة ،وبقول شاعرنا العظيم أ/محمد إبراهيم أبو سنه :- " النسور الطليقة فى الأفق
 تعرف مصرعها
والعيون التى تترصده
والنصال التى تتعاقب خلف النصال "لذا كن على دراية بكل ما يخصك من مصادر موثوقة حتى لا تدع نفسك فريسة لتلاعب أبى العريف .
جدير بالذكر الإشادة بموقع  www.takkad.com الذى يهتم بالتأكد من صحة الأخبار العلمية وبكتاب The book of General Ignorance للمؤلف John Lloydالذى صحح الكثير من المعلومات الخاطئة ،وبالموسوعة الحديثية وموسوعة أحاديث منتشرة الموجودتين على موقع الدرر السنية dorar.net  اللتان تبينان مدى صحة الأحاديث النبوية، وبمقال "أقوال مأثورة غبية"الذى كتبه المهندس خالد الصفتى فى أحد أعداد كتابه العظيم"فلاش"وبين فيه أقوال لمسئولين كبار أثبتت خطأها،وبمقال "مفيش حاجة اسمها"الموجود على الإنترنت ويبين خدع النصب على الإنترنت ،وبكتب التصحيح اللغوى فى اللغة العربية ،وبكتب التصحيح اللغوى فى اللغة الإنجليزية وبكتاب مستشارك الخاص للكاتب ،وما شابههم  .
                                                                                    محمود عبد القادر

*نشر هذا المقال بموقع دنيا الرأى بتاريخ31أكتوبر 2012م على الرابط
http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2012/10/31/275550.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق